العلاقة بين التطرف و بين قوانين ازدراء الأديان في منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا
تحتوي منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا على أكبر عدد من البلدان التي تحتوي قوانينها على شكل من أشكال قوانين التجديف أو ازدراء الأديان، حيث يقدر عدد البلدان التي مازالت تطبق هذه القوانين بشكل أو بآخر بتسع و ستين بلدا على مستوى العالم.
و عموماً تعتبر العقوبات المطبقة في هذه الحالات من أكثر العقوبات شدة. ففي إيران مثلا يمكن أن يعاقب أي شخص يتم اتهامه بإهانة الرسول أو أي من أنبياء الإسلام بالإعدام وفقاً للمادة ٢٦٢ من قانون العقوبات. بينما في مصر فإن عقوبة “التحريض على الفرقة الدينية، إهانة أي ديانة سماوية أو أي مذهب تابع لأحدها، أو تهديد الوحدة الوطنية” قد تصل إلى خمس سنوات وفقاً للمادة الثامنة و التسعين من قانون العقوبات.
تعريف قوانين التجديف أو ازدراء الأديان:
قوانين التجديف هي مواد قانونية مهمتها تجريم أية أفعال أو أقوال أو كتابات أو أعمال فنية يتم اعتبارها مهينة لديانة أو معتقد ما أو لشخصيات مقدسة أو جارحة للمشاعر الدينية. تعاقب قوانين ازدراء الأديان أيضاً أية أفعال من شأنها تدنيس الأماكن الدينية و تعطيل العبادات و الطقوس الدينية.
حسب دراسة قام بها المركز الدولي للأبحاث القانونية التابع لمكتبة الكونغرس الأميركي في سنة ٢٠١٧ فإن قوانين التجديف منتشرة بدرجات متفاوتة في عدة أنحاء من العالم و لكن هناك خصائص مشتركة بين البلدان الواقعة في منطقة جغرافية معينة. و قد خلصت الدراسة إلى أن الدول الإسلامية هي أكثر الدول التي تطبق هذه القوانين. و مما يلفت الانتباه أنه في بلد كالباكستان مثلا فإن هذه القوانين قد تم وضعها خلال حقبة الاستعمار البريطاني و لكنها بقيت حية حتى الآن.
تحتوي الأطر القانونية المطبقة في معظم دول الشرق الأوسط و شمال أفريقيا على قوانين و تنظيمات تهدف إلى “الحفاظ على الأمن القومي و الوحدة الوطنية” و لكن تعريف هذه المصطلحات يختلف من بلد لآخر. لكن عموماً يمكن ملاحظة ثلاثة نماذج من هذه القوانين:
النموذج الأول يتضمن قوانين تقيد بناء أو ترميم أماكن العبادة و تحدد نوع العبادات التي يمكن القيام بها في تلك الأماكن، وقد تصل هذه القيود إلى حد الهدم أو المصادرة.
النموذج الثاني يختص بقوانين الأسرة وهي عادة تقتصر على الديانات أو المذاهب المعترف بها مما يجبر أتباع العقائد غير المعترف بها كالبهائيين و الأحمدية و اليزيديين لتسجيل أنفسهم تحت واحدة من الديانات المعترف بها حتى يتسنى لهم إتمام المعاملات و الوثائق العائلية.
النموذج الثالث و يختص بتجريم عمليات التبشير بديانات أو مذاهب معينة و كذلك تجريم التحول من دين إلى آخر.
تعتبر قوانين ازدراء الأديان قضية ذات إشكالية كبيرة بسبب تأثيرها السلبي على الحريات الدينية و حرية التعبير و كذلك بسبب العلاقة السببية المباشرة بينها و بين التطرف الديني في أي مجتمع. لقد قام عدد من الباحثين، مثل أمجد محمود خان و نيلاي سايا، بدراسة هذه الظاهرة دراسة معمقة و خلصا إلى أن ظاهرة التطرف الديني و الطائفية هما حالياً الخطر الرئيسي الذي يتهدد السلم و الأمن الدوليين. و يبدو خطر هذه الظاهرة جليا في عدة أماكن من العالم مثل بورما، الهند، الباكستان، نيجيريا و المنطقة العربية.
الإشكالية الأخرى التي تكتنف هذه القوانين هي أن هذه القوانين عادة ما تتم صياغتها بلغة ضبابية و مطاطة يغيب عنها أي تعريف واضح و محدد لما يمكن اعتباره تجديفا أو ازدراء للأديان، مما يفسح المجال واسعاً للاجتهادات الفردية في تفسير هذه القوانين و تطبيقاتها مما ينجم عنه غالبا إساءة استعمال، ناهيك عن تعارض هذه القوانين مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
توفر قوانين ازدراء الأديان أدوات مثالية للمتطرفين لترهيب من يختلف معهم فكريا أو دينيا و لتبرير الهجمات ضدهم سواء كانت هجمات جسدية أو لفظية، و تشيع هذه التصرفات غالبا في بلدان مثل مصر و تركيا و إيران و السودان حتى عهد قريب.
ولا يقتصر خطر هذه القوانين على الأمن و السلم الدوليين بل يتجاوزهما لتهديد وحدة و تماسك المجتمعات في البلدان التي تطبق هذه القوانين.
في دراسة أجراها أمجد محمود خان في عام ٢٠١٥ على قوانين التجديف في الباكستان و إندونيسيا و نيجيريا وجد أن الدول التي تطبق هذه القوانين تعاني من مستويات أعلى من العنف الطائفي و الديني بسبب البيئة الموائمة التي تساهم فيها هذه القوانين بتوفيرها غطاء شرعيا لبعض أشكال العنف و التطرف.
إن العلاقة بين السياسة و الدولة و بين الدين هي علاقة قوية و معقدة في كل بلدان الشرق الأوسط و شمال أفريقيا، و توفر هذه العلاقة أداة مثالية للأنظمة الاستبدادية لإحكام قبضتها على المجتمعات و إخماد أية معارضة محتملة. و تصل هذه العلاقة في بعض الأحيان إلى حد التماهي حين تتجاوز رمزية الحاكم الإطار السياسي لتصبح رمزية دينية أيضاً مما يجعل أي نقد مهما كان ضئيلا للسلطة السياسية نقدا الدين نفسه و بالتالي تجديفا يستوجب أقسى العقوبات.
تتجلى هذه الظاهرة بشكل متصاعد في تركيا و خاصة بعد وصول حزب العدالة و التنمية و رئيسه رجب طيب اردوغان إلى السلطة في ذلك البلد، حيث يعتمد الرئيس أردوغان خطاباً شعبويا يمزج فيه المشاعر القومية الرائجة كثيراً في المجتمع التركي مع هوية دينية طائفية متصاعدة تعتبر التدين بالإسلام السني و استحضار ذكريات الحروب الدينية مكونا أساسيا من مكونات الهوية التركية الحقة مما ينتقص من هوية من لايتفق مع هذا الطرح و يعزله تدريجياً . كما توجد هذه الظاهرة في إيران أيضاً حيث تهيمن على السلطة طغمة فاسدة من رجال الدين الذين يفرضون الشريعة الإسلامية وفق المذهب الشيعي الاثنين عشري على المجتمع الإيراني المتنوع مذهبيا و دينيا مما يزيد في معاناة الأقليات الدينية الأخرى مثل السنة و البهائيين و المسيحيين حيث تتم محاكمة من يعترض منهم أمام محاكم ثورية بتهم متعددة مثل المحاربة و الإفساد في الأرض و معاداة الجمهورية الإسلامية، وهي كلها تهم تصل عقوبتها إلى الإعدام.
إن قوانين ازدراء الأديان توفر بيئات مثالية لنمو أفكار التطرف الديني و نشرها في المجتمعات، بيئات يتمتع فيها المتطرفون بحماية القانون و تواطؤ أجهزة الدولة مما يزيد في تفاقم العنف. و لذلك ينصح خبراء مكافحة التطرف كل الدول التي مازالت تطبق هذه القوانين بإصلاحها إصلاحا جذريا أو إلغائها نهائيا إذا أرادت تلك الدول حقا معالجة ظاهرة التطرف و الإرهاب في مجتمعاتها.